القسوة وفرصة التغيير
قادَتِ البيتَ منذُ فجرِ تأريخِها، لكنْ عندما يغيبُ العقلُ والفكرُ، تصبحُ رغباتُ الآخرينَ سلاحاً فتاكاً لتسعدَهم بلا حدودٍ، لأنَّ معطياتِ الإنتماءِ لديها مرتفعةٌ، تتعدى غبارَ الطموحِ الذي قد تكونُ فكرَتْ فيهِ للحظاتٍ، ومعَ أنقاضِ حلمٍ قديمٍ متهالكٍ، منحَتْ ذكرياتِها حقَ اللجوءِ الى القمرِ، تحتَ ألةِ الظلمِ القاسيةِ، تعيشُ كائناتٌ مسكونةً بالعواصفِ والعواطفِ، ولا يسمحُ لها بالتنقلِ كالفراشاتِ.
ثيابُها الممزقةِ الخائفةِ على جلدِها الخرقِ الخجولِ، وشبابُها الذي يحاولُ أنْ يعيدَ نفسَهُ دونَ ترددٍ أو خوفٍ، كونَها باتَتْ مقتنعةً بأنَّ الأفعى هيَ مَنْ أغوتْ آدمَ بالمعصيةِ، وخرجَ من الجنةِ.
قالَتْ في نفسِها: ما الذي أختلفُ بهِ عن الأخرياتِ؟ أجابَتْ نفسها: سأكتفي بدورِ المتفرجِ، لأنَّ خندقَ الموتِ عندَ زوجِي يكرسُ سواترَهُ لدّكِ روحِي وجسدِي، فلا تبقى قطعةٌ طاهرةٌ منها إلا وتطالَها دنسُ يدهِ البغيضةِ.
قالَتْ لها إحدى جاراتِها: أنتِ ما زلتِ تتنفسينَ ولذا لم ينتهِ رصيدُ أيامِكِ بعدُ.
فأجابَتْها: كلُّ مياهِ الحقدِ والظلمِ لا تقدرُ على إغراقي، ولكنْ بناتي مَنْ لهنَّ بعدي؟
ردَّتْ الجارةُ النبيلةُ: كوني على يقينٍ أنَّ ربَّ الخيرِ لا يرسلُ إلا الخيرَ لعبادهِ، ولابدَّ من أنَّهُ يحبكِ فأمتحنَكَ.
جمعَتْ بناتَها الأربعَ حولَها قائلةً: من المستحيلِ أنْ يذهبَ لغيرِكنَّ شيءٌ كتبَهُ اللهُ لكُنَّ.
قالَتِ البنتُ الأولى: أماه إتركيهِ وسنرحلُ معكِ.
وقالَتِ الثانيةُ: إرفعي أمرَكِ الى القاضي.
وردَّتِ الثالثة: إنتقمي منهُ وأحرقي البيتَ ولنغادرْ حياتهُ الى الأبدِ.
أما الصغيرةُ الرابعةُ فقد سقطَتْ دمعاتٌ من عينيها وقالَتْ: لا تفعلنَ ذلكَ فقد كانَ يجلبُ لنا الحلوى، والحقُّ أنَّ اللهُ أكثرُ رأفةً بنا منهُ.
عمَّ الهدوءُ وخرجَتْ الجارةُ من بيتِ صديقتِها، ودخلَ الزوجُ متوقعينَ أنَّ مذبحةً ستحدثُ وقتَها.
تفاجأًتِ الزوجةُ الضعيفةُ بأكوامٍ من الهدايا، إلتفتَ لبناتِهِ قائلاً: قمةُ الشجاعةِ أنْ نواجهَ أنفسَنا بالحقائقِ، لقد سمعْتُ كلَّ كلامكنَّ.
أعترفُ بأنَّ لساني مرٌّ كالعلقمِ، وقلبي قاسٍ كالحجرِ، ويدي طاعنةُ كالخنجرِ، والآن أعذروني، فلم يكنْ من البنات وأمِّهنَّ إلا وقد أحضرَتْ كلُّ واحدةٍ سجادةَ صلاتِها لتسجدَ للهِ، شكراً وحمداً وعرفاناً لعطاياه الثمنيةِ.
أخبرَتْ المرأةُ زوجَها بأنَّ ما في بطنِها سيكونُ مولوداً ذكراً، وأيامٌ قليلةٌ وسيلجُّ نورَ الحياةِ، فأغرورقَتْ عيناهُ بالدموعِ وسجدَ.
أمل الياسري/ العراق
الأربعاء، 29 أغسطس 2018
مجلة سماء الأبداع للشعر والأدب الألكترونية كتبت الشاعرة والكاتبة أمل الياسري قصة بعنوان القسوة وفرصة التغيير
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
مجلة سماء الإبداع للشعر والأدب الإلكترونية كتب الشاعر سليمان احمد العوجي قصيدة بعنوان على خط الزوال
على خطِ الزوال ---------------------------------- خائبون كجندٍ تحاصرهم خيانة كصبرٍ يحفرُ أنفاقَ الفرجِ بإبرةِ الوهم. منكوبون كمدنٍ سب...
-
"( أماه )" قضى الله بالموت من أتت بي إلى قبر الحياة فصبر جميل على ما قضى وماتت بقلبي جميع النساء ويهوى ف...
-
من شعبيات كتابى الأخير ((( أغانى الجيل الذهبى ))) ..............((( لو تعرف يا إبن آدم ))) الدَخله / الموال ************ لو تعرف يا إبن ...
-
من شعبيات ((( أغانى الجيل الذهبى ))) كتابى الأخير ..........................((( وصانى أبويا )))............... * الموال ************* من...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق